إلى متى يستمر التلاعب بالتاريخ وخلط الأوراق على حساب الشعوب ؟


بادئ بدء أود ان أقول ان كثيرا من المشاكل التي تهدد السلام في العالم اليوم قد تمخضت إلى حد بعيد من تحريف التاريخ والأساءة في تفسير احداث الماضي عمدا لتحقيق وضمان أهداف السيطرة السياسية  والعسكريةعلى الشعوب المقهورة . ومن هنا يجب أن تستند أية معالجة صائبة لقضايانا اليوم إلى فهم تاريخى عميق ودراسة موضوعية شاملة لوقائع الاحداث إذا أردنا مجابهة المشاكل التى تثيرها المذ اهب والعقائد المتناقضة في العالم مسببة العداء الشبه دائم والأعتداءات المتكررة بين الشعوب. وقد تمكن الكثير من المؤرخين في أوروبا اليوم من إعادة النظر الى تاريخ قارتهم نظرة موضوعية علمية إلى أبعد الحدود حيث تم القاء الضوء على مساوئ الأمبراطوريات  ومحاسنها من قوة وضعف  ومن إيجابيات وسلبيات دون أي إنحياز متعمد مقيمين الماضي تقييما إجتماعيا وسياسيا واضحا في جميع المراحل التارخية  عبرالعصور. ومن المفارقات التاريخية العجيبة رغم ذلك أن الدوائر الرسمية في الغرب اليوم ما زالت تقبل قراءة و تفسير التاريخ الأيثوبي الذي تتبناه الكنيسة  ا لأرثودوكسية الحبشية!  ومن الغريب أيضا أن يتقدم بهذا التفسير للتاريخ ليس رجال الكنيسة التقليديون فقط وإنما أيضا أساتذة الجامعة الأحباش في هذا العصر. وهكذا نرى الأستاذ سيوم جيلايي يعود بنا إلى الوراء الى مايسميه خمسة ألآف سنة من التاريخ الأثيوبي ” المجيد ” في مقال له في موقع  إثيوميديا كوم – يوليو 23،2010 التابع للأوساط الحبشية ، في سياق محاولة حثيثة ليثبت بأن  منطقة أوجادين  جزء لايتجزء من إثيوبيا. ولايقف أستاذنا عند هذا الحد ، بل يمضي بالقول بأن الصومال نفسها كانت في الماضي  جزءا من اثيوبيا. وفيما يتعلق بإثيوبيا ككل، يذهب الى القول بأنه لاتوجد في إثيوبيا شعوب ولا قوميات وإنما قبائل وعشائر يسميها با الأمهرية “نجد ”  و” جوسا”. ويضيف الأستاذ سيوم الى ذلك بأن الأوروموالذين تمكنوا من إحتلال المناطق الشمالية الحبشية إثر ما يسميه بالدمار الشامل الذي خلفه أحمد بن إبراهيم قد ذابوا بإرادتهم المحضة في المجتمع حولهم وأصبحوا، فيما بعد،   أمهرة وما إلى ذالك من الكلام.

إن الخيوط المشتركة في تفكيرالمتطرفين اليهود في فلسطين ومزاعم السرب والأحباش واضحة تماما. هل يصلح  ما حصل إفتراضا  قبل خمسة آلاف سنة للمطالبة بأي شيئ في الواقع الحالي؟ ومع هذا يجب علي الأنصاف بحق هذا الأستاذ في نقطة واحدة، اذ يقول بأن أحمد جران لم يكن من الغزاة الأجانب كما يروجه الأحباش الآخرون غالبا. وفي نفس الموقع والتاريخ نرى كاتبا آخر من المعجبين با لأستتاذ يتوسع في الموضوع ويقول إن قبائل كثيرة داخل إثيوبيا قد تنازلت طوعا عن هويتها اللغوية المتخلفة، وتبنت اللغة ( ألأمهرية ) المتطورة لصالح الوحدة الأثوبية وتقدمها، وأنه يجب تشجيع هذا المنهج حكومة وشعبا . ويقدم لنا هذا الكاتب الولايات المتحدة الأمريكية كمثل رائع لذوبان الشعوب طوعا في هوية تتميز بدرجة أعلى من التطور والحضارة ، وكأن الهنود الحمر والسود كانوا متشوقين إلى طمس هوياتهم وقيمهم الأصيلة!!  وينهي الكاتب  باللائمة على النظام ا لحالي في اديس ابابا لسياساته المنافية لهذا الهدف العظيم. ونحن  نعلم طبعا الدوافع وراء التطبيل من لدن القوى السياسية الحبشية لسياسات القوى العدوانية الغاشمة في عالمنا. وإن إرتباطات الحبشة  بالقوى العدوانية وراء البحار لها تاريخ طويل ومليئ بالأحداث من عهد الأمبراطورية الرومانية والبيزانطية مرورا بقدوم البرتغاليين في شواطئ القرن الأفريقي في القرن الخامس عشرحتى الأستعمار الرءسمالي. وعلي كل حا ل،  ها نحن نرى مثل هذا الأستاذ وأتباعه يتمتعون بشعبية واضحة لدي الأوساط السياسة والشعبية  الحبشية وخاصة الأمهرية دون خجل،  نفس الأوساط  التي تدعوا في منابرها في بالتوك إلى الحوار الديموقراطي وتطرد في نفس الوقت من غرفها كل من يطرح علامة إستفهام على نظراتها السياسية البالية أو تضع  علامة حمراء عليه لمنعه من صياغة موقفه كتابيا..هذا ماحصل لي بالفعل..

لا تنفعنا مع مثل هؤلاء الأشخاص الإشارة الى المراجع التاريخية الحديثة التي إستنبطت في القرون الثلاثة الأخيرة لأن منطقهم ليس منطق التاريخ أساسا ولكن يجب مع ذلك ان نأخذهم مأخذ الجد.  وقد سمعت قبل سنوات في قناة الجزيرة مفكرا  عربيا كان يقول ما معناه  أن إسرائيل تحارب العرب بالتوراة بينما العرب يحاربوتها با الفكر القومي. هذا الكلام ينطبق أيضا على الأورومو اليوم الى حد كبيرعلى وجه الخصوص.  لأن من يحارب بإيمان و بقناعة  مطلقة لا يتردد في تقديم تضحيات جسيمة تكون  عاملا مهما في النصر بينما المتردد وعديم العزم ينتهي  الى الهزيمة.  وهذه القضية طبعا تتجاوز ديانة معينة  لأن القيم العليا موجودة في جميع الأديان السماوية وفي الفلسفة وعلم الأخلاق. ولذا  انني لست ولم أكن  من دعاة أسلمة قضية أورومو ان صح التعبير. ور بما هذ ا هو السبب الذي دفع غرفة اسلامية أورومية في بالتوك الى وضع علامة حمراء  علي هي ايضا لمنعي من الكلام على الرغم من انني لم أحاول التحدث فيها… وهكذا نرى كيف ينكب التفكير العقائدي أو المذهبي  الضيق حتى وإن إختلف في منبعه الديني  إلى نفس المصب في التحليل النهائي – لامجال لحرية الفكر. هذه العقلية التي كانت سائدة في الشرق والغرب  في القرون  الوسطى  تركن إلى أخبار السلف وتعلل التاريخ تحليلا إلهيا خارقا للطبيعة مهمشة كل ما عداه. وربما لايفكر أصحاب تلك الغرفة بهذا المستوى وقد تكون غرفتهم  تابعة لأصحا ب المصالح الذين يتاجرون بالدين و يتم تمويلهم على حساب المسلمين في إحدى دول البترول العربية. واذا أمعنا النظر اليوم في أحوال العالم وجدنا التلاعب بالأديان وسوء استخدامها للأرتزاق أو لأهداف سيساسة مادية بحتة غيرنبيلة ظاهرة عالمية تستخدم علي أعلى المستويات من مراكز القوى  المختلفة مسببة بذلك إضطرابا هائلا في العقل الإنساني وفي روح الجيل الجديد.  ألا يوجد فرق كبير بين الفهم التاريخي المتطور والفهم التايخي المائع المسكن المخدر  الغافل؟

ومن البديهي بالنسبة لي أن أثير قضية المسلمين في أثيوبيا في موقع بريسة كوم لأنهم يتعرضون لمظالم  فظيعة. ومن يستنتج  من هذا موقفا لي معاديا للمسيحيين أو منحازا للتطرف الأسلامي يقع في الأخطاء. وكما انني أرفض رفضا قاطعا إستغلال الأديان سياسيا. وعليه فليكن واضحا بأنني من مؤيدي نظام علماني مستنير. ماذا  يعني ذلك؟ بكل بساطة يعني حريةالتفكير والأبدا ع العلمي. ان العلمانية المقصودة لاتعني محاربة الأديان بل هي تضمن التعايش السلمي بينها كما أنها لاتعني تشجيعا لأنكار وجودالله العياذ بالله. هذا من نا حية ، ومن احية أخرى يجب علينا مواجهة محاولات لتحريف تاريخنا أو تجاهله بأظهار الحقائق التاريخية. هل يود البروفسور سيوم وأتباعه أن أعودبهم ليس إلى الماضي السحيق قبل خمسة آلاف سنة مثلما يفعل هو وإنما إلى الماضي القريب عندما توسعت الحبشة بمساعدة القوى الراسمالية الأستعمارية وابتلعت من بين ما إبتلعت عددا من السلطنات والأمارات ا لأسلامية وحولت المسلمين إلى غرباء في بلادهم يعاملون حتى يومنا هذا كمواطنين من الدرجة الثانية او الثالثة؟ أجل!  هذه هي الحقيقة. ما هي أهمية التاريخ؟ هي إدراك الماضي كما كان لا كما نتوهم أو نتمنى والإعتراف بالواقع. ومن يحاول القفز على هذه الحقيقة بحجج مختلفة بما في ذلك حجة الشعار الشوفني أو حتى القومي سوف لن ينجح أبدا..وكم تتوتر أعصاب الكثير من الأحباش  أو من المتحبشين عندما يذكر أحدنا تاريخ السلطنات والأمارات الأسلامية في القرن الأفريقي: باضع ، شوا، هرر، أيفات، هدية، عدل، زيلع،  عروسي وما الى ذلك..

إن قضية المسلمين في الأمبراطورية الأثيوبية سوف تجد حلا حقيقيا في اعتقادي في عملية حركات التحرر للشعوب المقهورة. ولكن هذاالنوع من التحرر الذي اتحدث عنه  يحتاج الى جهد مديد شاق لنشر ثقافة جديدة وفهم جيد للأمور. على أن المظالم التي نتعرض لها يوميا لاتسمح لنا با التطور تدريجيا بطريقة طبيعية. وعلينا أن نقوم بقفزات ووثبات ثورية هائلة. وهذا أيضا يحتاج إلي إنقلاب شامل في تفكييرنا وإحساسنا مما يتطلب إعادة النظر في قيمنا الأساسية. وبالنسبة لشعب أورومو لايتم هذا التحررحسب قناعتي وما أري في أرض الواقع  بقيادة جبهة تحرير أورومو الحالية. إن هذه الجبهة مازالت تخلط الأوراق منذ أيامها الأولى بهدف التمويه إذ أنها تحاول التستر وراء رموز إسلامية إنتهازية خاصة من هرر وعرسي. والحقيقة إنها تنظيم كنسي تحركها أصابع أجنبية إستعمارية معادية أساسا لقضية شعبنا. والطفيليون  ليسوا مهتمين بهذه الحقيقة  ويرقص كل واحد منهم على ليلاه . ونحن نرى هذه لأيام وخاصة بعد  حوادث العنف الأخيرة في أوغندا الذي راح ضحيتها الأبرياء والتي يجب شجبها، نرى الأوساط العالمية العدوانية تدعوا إلى مزيد من التدخلات العسكرية وإلى إشعال مزيد من نار الحرب بهدف مزيد من السيطرة على موارد المنطقة بحجة محاربة الأرهاب كا العادة.

و يبقى لي ان أتسائل كم من شعوب مازالت تعيش في ظلمات الفقر والجهل مستسلمة لمصيرها وإلي حدما راضية بها!  ألأزمات لاتكون حقيقة واقعية إلا عندما نحس ونشعربها ونرتفع بإدراكنا إلى  مستوى المسؤلية بمقدار ما تكون قد نمت في نفوسنا قوى العزم والأيمان  والتضحية. هذا يتطلب الجهاد الأكبر، الجهاد النفسي  الداخلي جنبا إلى  جنب مع الجهاد الخارجي. هذه الحقيقة تنطبق على كل المناضلين في سبيل الحق بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية. والنبي العربي على حق عندما قال: ” رجعنا من الجهادالأصغر إلى الجهاد الأكبر، جهاد النفس”. في الحقيقة   الجهاد الداخلي هو الذي يحرر النفس البشرية  من القيود الخارجية ويساعدها على النمو والإرتقاء. وإلا يظل الأنسان سجينا وعبدا لشهواته  وملذاته الحيوانية طول حياته دون أن يشعر با السعادة الحقيقية في  مجتمعه. إن أكبر كارثة نزلت بنا تحت الحكم الحبشي ليست فقط كارثة مادية وإنما  فقداننا لقوانا الروحية.  وأخيرا إليك أيها القارئ الكريم ما يقو له المثل الصيني القديم: إذا أردت أن تزرع لسنة فازرع قمحا، وإذا أردت أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة، أما إذا أردت  أن تزرع لمئة سنة فازرع رجالا..

Leave a Reply