شرقي إفريقيا من صفحات التاريخ

لمحة عن الحبشة قبل إلغاء الخلافة

الحبشة هو الأسم التاريخي ،  واليوم يطلق عليها اسم “أثيوبيا” ، وهو ما تعرف به دوليا ، ولكن تاريخنا لا يعرفها إلا باسم الحبشة   لذا أفضل  المحافظة  عليه كي يقترن الاسم با لأرض وكي يبقى محفوظا (!!!) لدى النشئ.

والحبشة هي  المركز الثاني في الأرض الذي وصلت إليه دعوة خاتم النبيين محمد بن عبد الله ، عليه أفضل الصلات والسلام  ، حيث هاجر إليها عدد من  الصحابة ، رضوان الله  عليهم ، في شهر من العام الثامن قبل الهجرة ، وحبطوا في مدينة مصوع ، وأحسن النجاشي استقبالهم ، واستمع  إليهم ، وصدقهم ، ورد وفد قريش الذي جاء بطلب تسليمهم له ، وإعادتهم إلى مكة ، وقد اسلم النجاشي يوم ذاك ، واختلف مع بطارقته الذين  حقدوا على المسلمين حسدا من عند أنفسهم ، واستمر حقد الكنيسة بعدها يزداد وتشحنه الأحداث التي تشهدها ساحات القتال بين المسلمين والروم النصارى.

ولما تقدم المسلمون في أرض الروم، ولم يعد بإمكان الروم الثبات  في ميادين الحرب أمام  المسلين قاموا يحرضون الأحباش على التحرك  من جانبهم عسى أن يكف الضغط  عنهم ، ووجد الأحباش الفرصة مناسبة للأحداث  التي وقعت في المجتمع  الأسلامي من فرقة في الكلمة ، وخلاف في الرأي فقاموا  يريدون إثارة الفزع لدى المسلمين الآمنين البعيدين عن المعارك فشجعوا  بعض  القراصنة على الأغارة على جدة،  فقاموا بالسطو عليها ، وتدمير السفن الراسية هناك ، وقتلوا من استطاعواقتله،  ونهبوا أموالا كثيرة ، ولاذوا بالفرار تحت جنح  الظلام ، وذلك عام 73هجري أيام عبد  الملك بن مروان الذي  أرسل حملة استولت على جزر دهلك ، وجعلتها قاعدة لها ، إذ أقامت فيها حامية  لرد أي عدوان ، فدب الرعب في أذهان الأحباش ،  ولم يحركوا ساكنا ، ولم يقفوا  أمام التجار المسلمين  الذين استطاعوا نقل الأسلام  بما قاموا به  من دعوة له في العدوة الأفريقية  ، فانتشر الأسلام  في أريتيريا وشرقي الحبشة ، وامتد جنوبا ، ولم ينته القرن الهجري الأول حتى كان التجار المسلمون  قد بنوا مدينة  هرر التي غدت مركزا إسلاميا ، ولم تخضع في تاريخها لسلطان الدولة  الأمهرية حتى عام 1314هجري ، 1896م ، عندما إحتلها منليك الثاني بالقوة  التي  بعثها إليها بقيادة ابن عمه رأس مكنن والد هيللا سيلاسي.

وفي بداية عهد الدولةالعباسية إنتقلت  أعداد من المسلمين إلى إقليم أريتريا ، وقاموا بدورهم بالدعوة وارتفعت نسبة  المسلمين  في ذلك الأقليم وغدوا أكثرية ،  وانفصل  أهله شعوريا عن سكان باقي الحبشة  ، وتأسست السلطنة المخزومية عام 283هجري في شرقي  مقاطعة شوا ، وقامت تعمل على نشرالأسلام في شوا وعروسي وسيدامو. وخضع إقليم أريتيريا للدولة العبايسة، وعرف  بإقليم باضع ، وهو اسم مدينة قديمة تقع جنوب مصوع   ثم تبع  دو لة المماليك في مصر ، فالخلافة العثمانية ، واصبح يرتبط بمكة المكرمة ، ثم غدا ولاية مستقلة ، يعرف باسم ولاية حبش وتتبعها مدينة جدة.  أما مملكة الحبشة  فكانت منعزلة  في الداخل ، تحكمها الأسرةا لسليمانية، إذ تدعي الأنتساب إلى سيدنا سليمان بن داود، عليهما السلام، واستمر حكم هذه الأسرة حتى عام 530 هجري ، حيث نازعتها أسرة زاجوي علي السلطة ، وتمكنت  من تسلمها ، وادعت الأنتساب إلى سيدنا  موسى عليه  السلام ، وجهدت  هذه الأسرة  الجديدة في نشر النصرانية ، فأقامت الكنائس ، وشيدت الأديرة ، ولكن حكمها لم يدم طويلا ،إذتمكنت  الأسرة السليمانية أن تستعيد الحكم عام 668 هجري.

كانت المملكةالنصرانية في الحبشة تسيم رعاياها من المسلمين خسفا، وتتخذ الوسائل  كلها لأذلالهم وقهرهم ، لاتتوانى  في قتلهم ، ولم يكن أمام المسلمين هناك  من وسيلة سوى  الأستنجاد بإخوانهم المسلمين في ديار الأسلام ،  إن استطاعوا أن يوصلوا  صوتهم إليهم.  ففي القرن  الثالث الهجري استنجد مسلمو الحبشة بسلطان مصر ابن طالون ، طلب بطريك مصر من بطريك الحبشة  كف الأذى عن  المسلمين ، غير أن ملك الحبشة ازداد إصرارا  على أذاهم  وإمعانا  بقتلهم ، كما هدد بقطع مياه النيل.

وفي القرن الرابع الهجري انقسمت مملكة  الحبشة  النصرانية المعروفة باسم مملكة أكسوم إلى قسمين  ساحلي يحكمه المسلمون ،  وداخلي يحكمه النصارى ،  وفيه الأمارة الأمهرية التي ضمت مناطق : تجرة ، بيجمدر ، غوجام ،  وجزءا  من الأغو، وأخرى  من شوا ، ويسكن هذا الجزء الأخير الأمهريون، والجالا ( الأورومو ).  وفي هذه  المدة  كان  الأسلا  م ينتشر في الأجزاء الشرقية  والجنوبية من الحبشة  حتى عم جزر دهلك، والدناقل ، والصومال، وهرر، وسيدامو . ونشأت سلطنة إيفات الأسلامية  في شرق شوا، وأخذت على عاتقها نشر الأسلام ، وانحصر نفوذ الأسرة الأمهرية النصرانية في  الهضبة.

وفي القرن الخامس نشأت عدة إمارات إسلامية في شرقي الحبشة وجنوبها  ،  ووقع  النزاع  بينها  ، فاستغل النصارى هذا  النزاع، فأخضعوا بعضها ، ومنها إمارة هادية ، عربابني ، شارخة، بالي ، شوا ، داوارو.  وكانت سلطنة إيفات أقوى الأمارات الأسلامية، لكن بدء الضعف يدب فيها منذ عام 718 هجري حيث جرى خلاف على الحكم ، واستمر ذلك حتى القرن  التاسع، وشعر الأحباش  النصارى  بتفوقهم ، حتى قرروا  القيام بحرب  صليبية  لأزالة سلطنة  الممماليك  في مصر حيث كانت تمثل دولة  الخلافة أنذاك  ،  غير أنهم فشلوا في مسعاهم لعدم إمكاناتهم تنفيذ  ذلك.

وفي القرن العاشر وصل المستعمرون الصليبيون البرتغاليون إلى  المنطقة بعد أن التفوا حول القارة الأفريقية وانتصروا علي المماليك أصحاب النفوذ البحري في تلك الجهات. واستطاع البرتغاليون الأستيلاء على مدينة زيلع وحرقها ، وشعرت  ملكة الحبشة  إليني  بنشوة النصر الصليبي ، فتحركت ، وأرسلت رسالة إلى ملك البرتغال عمانوئيل تقول  فيها : “بسم الله  ، والسلام على عمانوئيل سيد البحر ،  وقاهر المسلمين القساة  الكفرة  ،  تحياتي إليكم ، ودعواتي  لكم ،  لقد وصل إلى مسامعنا أن سلطان مصر قد جهزجيشا ضخما ليضرب قواتكم، ويثأر من الهزئم التي الحقها به قوادكم في الهند ، ونحن على إستعداد لمقاومة  هجمات الكفرة بإرسال أكبر عدد من جنودنا في البحر الأحمر ، وإلى مكة ، أو جزيرة باب المندب ، وإذا أردتم  نسيرها إلى  جدة أو الطور، وذلك لنقضي قضاءا تاما على جرثومةا لكفر ،  ولعله قد  آن الوقت لتحقيق النبوءة القائلة  بظهور ملك نصراني يستطيع في وقت قصير أن يبيد الأمم الأسلامية المتبربرة.  لما كانت  ممتلكاتنا متوغلة  في الداخل ،  وبعيدة  عن البحر الذي ليس لنا فيه قوة أو سلطان فإن الأتفاق معكم ضروري إذ أنكم أهل بأس شديد في الحرب البحرية” .وهذا التحالف النصراني بين الأحباش والبرتغاليين قدشجع الأحباش  للقيام بهجوم واسع على السلطنات  الأسلامية في شرق الحبشة ، كماأنه شجع البرتغاليين لتوسعة دائرة نفوذهم في المشرق.

احتلت الحبشة أيام  ملكها لبندنجل عام927 هجري سلطنة عدل الأسلامية بعد مقتل حاكم زيلع الأمير محفوظ قائد جيش السلطنة ، ونقلت السلطنة  العاصمة من زيلع إلى هرر.  وفي العام نفسه أرسلت الرتغال  بعثة إلى أديس ابابا، وأخذ المنصرون  الكثوليك  يفدون إلى  الحبشة ، وبقي  البرتغاليون  في الحبشة مدة ست سنوات ، ثم غادروها 934 هجري، وبذا  أخذت  الحبشة تخرج من عزلتها التي كانت عليها.

كانت الخلافة  الأسلامية قد آلت إلى  الدولة العثمانية بعد دخولها مصرعام923 هجري ، فسيطرت على البحر الأحمر، وأسست أسطولا فيه ، جعلت قاعدته  مدينة  زيلع ، فقوى ذلك عزيمة المسلمين، وقاموا يهاجمون الأحباش النصارى ، واستعادت سلطنة عدل مجدها ،  فضمت إليها الصومال ، والدناقل ، وأسلم أهالي بالي ،  وشارخة ، وإيفات ،  فطلبت الحبشة  من أوروبا عامة ، ومن البرتغال خاصة المساعدة  ،  وعرضت  أن تكون  كنيسة  الحبشة تابعة للكنيسة الكاثوليكية في روما  مع الإحتفاظ بالمذهب الأرتوذكسي وذلك عام 949 هجري.  وبناءا على ذلك جاء جيش أوروبي برتغالي ، ونزل في مصوع عام494هجري بقيادة كريستوفر دي غاما الملاح  المعروف الذي إلتف حول إفريقية ، والصليبي المشهور ، غير أن هذا الجيش قد هزم أمام جيش سلطنة عدل ، وقتل قائده  ولم ينج من الجيش البرتغالي إلا من تمكن من الفرار ، فالتحقت فلول هذا الجيش بقوات الحبشة.

وكانت اليمن قد مدت سلطنة عدل بقوة عندما دعمت البرتغال الحبشة فاستطاع  الأمام أحمد بن إبراهيم سلطان عدل فتح مقاطعة تجرة عام 945ـ947 هجري  ،  واستقبله قبائل ويلو.

وجاءت قوة برتغالية إلى الحبشة ، ودعمت  اليمن عدل عام 950 هجري ، وجرت  معركة رهيبة بين الطرفين عام 952 هجري،  وسط بلاد مملكة  الحبشة النصرانية قرب بحيرة طانا ، إستشهد  فيها  الأمام  أحمد بن إبراهيم ، وهزم جيشه ،  وضعف  أمر  المسلمين.

وهاجمت هرر الأحباش النصارى  عام 967 هجري  فقتل  ملك  الحبشة ، ولكن تراجع  المسلمون حتى أخلوا المناطق الجبلية كلها.  وكذلك  ضعف شأن  النصارى ،  وجاء شعب الجالا ( ألأرومو )  من  الجنوب ، وكان بدائيا فدمر المناطق التي مر عليها ، ثم  إستقر في جنوب شوا  فاحتك بالمسلمين، وأخذ أبناؤه يدخلون في دين الله.

وأغار الوثينون من جالا (الأورمو) على مدينة هرر ،  فعقد الأمير عثمان معهم معاهدة  بحجة أنهم أخذوا يدخلون في الأسلام ، وأن المعاهدة معهم قد جعلهم يعتنقون الأسلام بعد الإحتكاك بأهله ، ووجود  السلم  معهم ،  غير أن بعض  الناس لم  يقبلوا  هذا  الكلام ، وووقع  الخلاف  ،  ولما إشتد ضغط  شعب الجالا نقلت  العاصمة  من هررإلى  العوصا  ،  ومع  ذلك  إستمر  الجهاد  ضد الأمهرييين النصارى حكام  الحبشة. ووقع  الخلاف بين الأمارات الأسلامية.

وكذلك وقع الخلاف في بلاد الأمهرة  إذ اختلف  الأحباش الأرتوذكس مع البرتغالييين والمنصرين الكاثوليك ، فطرد الأحباش البرتغاليين .  ومن ناحية ثانية فإن الخلاف بين الأقاليم  كان قد وقع ،  وحصل النزاع ، والذي ينتصر من الأمراء يأخذ لنفسه لقب “نجاشي”  ، وكثيرا ما كان يوجد في البلاد  أكثر من نجاشي  ،  ففي  عام  1229 هجري  وجد ستة  ملوك يحكمون  الحبشة  ،  واستمرت الفوضى ( الأقطاعية) حتى وحد إمارات  الحبشة  الأمبراطور تيودر الثاني  1272ـ 1285 هجري.  وكانت الحبشة في  هذه المدة  كلها والتي زادت  على ثلاثة قرون  في معزل  عن  العالم  ،  وتعيش في  مرحلة  من  الضعف والتأخر ،  وتسيطر  على  شرقي إفرقية  ،  وهذا  ما جعل أمراءالمسلمين  في  تلك المنطقة  في  حالة  من الخلاف  والنزاع  فيما  بينهم  ، وليس بأستطاعتهم  أيضا  أن  يقوموا بالهجوم  على  أرض مملكة الحبشة ا لنصرانية   ،  وإن كانت قد  وقعت  بعض  مظاهر  الخلاف  والصراع  أو  التفاهم وعدم النزاع.

أحيا  الأمير  داود بن  علي  إمارة  هرر عا  1057 هجري  ، واشتد  الخلاف بين الأحباش  والبرتغالييين حول تحويل  الكنيسة  الحبشية  إلى  الكاثوليكية   .  وهذاماجعل  الأمبراطور  الحبشي  فاسيلدس يعقد معاعدة مع  أمراء   المسلمين  في  سواكن  ومصوع  وزيلع  وذلك  بعض  طرد  البرتغاليين  من  الحبشة  وبسبب  وقف ا لقتال  بين  المسلمين  والنصارى  فقد أخذ  الأسلام  ينتشر  بين الأمهريين  النصارى ، وبين  الجالا الوثيين ،  فعمل  الأمبراطور  يوحنا بن  فاسيلدس عام 1078 هجري  على  الحد  من إنتشار  الأسلام بإيجاد  صلة  قوية  ،  عن طريق  المصاهرة  بين النصارى والوثنيين ( الأورمو) ،  فزوج إياسو  الأول  أمير   الأمهر  من برزاية  بنت أحد  أمراء الجالا ،  لكن  هذا  لم  يف  شيئا إذ بقي  الأسلام  ينتشر  بين  الفريقين.

وفي منتصف  القرن  الثاني  عشر الهجري  بدءت  قبائل  الجالا  تزحف نحو  الشمال تحت  ضغط  القبائل  الصومالية وتستقر  في الهضبة  في  بلاد  الأمهرة  ،  وكان  بعض  أبنا ئها  يعتنق  الأسلام  ،  وتزعم  حركتها  نحو  الشمال أحدهم ، وهو الأمير علي ، فكانت هذه  الحركة  تقدما إسلاميا في منطقة  النصارى أكثر من أن  تكون  تنقلا من أجل  الرعي .  ووقف  أمير  الأمهرة  كاسا  الذي تلقب بإسم تيودر 1190ـ 1272 هجري الزحف ، وتمكن  من أسر أمير  الجالا  المسلم الأمير  علي ،  وعرض  عليه  النصرانية أو  الموت ،  ففضل  الموت ، وعندما  عرض على  السيف كرروا  عليه  العرض ،  فأبى  أن  يعود في  الكفر ثانية بعد أن  أن أنجاه  الله منه ، وأصر على ا لشهادة حسب  كلماته  الأخيرة التي  ألقاها قبل أن يهز سيف رأسه.  ومع  ذلك  فقد  حكم ا لمسلون منطقة  بيجمدر، وكان  حاكمها  علي بن عمر الذي  تلقب بالأمام ، وذلك عام 1189 هجري،  وكان آخر الأمراء عليها علي بن الولا.  وفي  عام 1272 هجري استولى  على أمر الأمارة  الأمهرية أحد قطاع الطرق ، وقد تسمى باسم تيودر الثاني  ، واستطاع أن يوحد مناطق  النصارى  تحت  سلطانه ، واستمر حكمه حتى عام 1285 هجريـ كماسبق أن ذكرنا.

وفي  عام 1283 هجري تنازلت الدولة العثمانية عن أريتريا  والصومال إلى واليها على مصر إسماعيل  بن  إبراهيم بن محمد علي ،  وكان  يحب التوسع  فأخذ  يرسل الحملات من مصر إلى  سواحل  البحر الأحمر  والصومال ،  وهذا  ما  أدخل  الخوف   في نفوس  الأحباش النصارى مرة  ثانية  بسب وصول  تلك  الحملات  إلى تلك الجهات إذ توقعوا عودة انتشار  الأسلام. ولكن  النفوذ  المصري لم يدم  طويلا في هذه  المنطقة  حيث احتلت بريطانيا مصر بعد حركة عرابي ، وامتد  نفوذها  إلى السودان،  فشعر  النصارى  الأحباش بالراحة إذ إطمئنوا على وجود  البريطانيين في  السوادن ،  واعتقدوا أن ظهرهم أصبح محميا، سيجدون  الدعم من الأنجليز ما داموا نصارى غير أن الحركة  المهدية تمكنت من إحراز النصر، وسيطرت  على السودان  عام 1300 هجري (1882م) بل فكرت  متابعة  سيرهاإلى مصر، وإنقاذها  من البريطانييين ، وهاجر إلى  السودان بعض المسلمين المضطهدين الذين احتلت الحبشة ديارهم ، وكان على رأسهم الأمام المجاهد طلحة ،  وعملوا تحت لواء المهدي ، وهذا  ما أقلق  الأحباش النصارى  حتى فكر  الأمبراطور بغزو السودان ، وزحف بجيوشه نحوها، غير أنه فشل ، وقتل عام 1306 هجري (1888م).

سحبت بريطانيا القوت المصرية من السودان شرقي إفريقية لتدافع بها عن أرضهاـ كما زعمت ـ  والواقع  أنها  تركت فراغا سياسيا في شرقي إفريقية، فتقاسمت المنطقة ا لدول  الكبرى ، وأعطت  الحبشة  جزءا من القسمة بصفتها دولة نصرانية ، فكانت منطقة الأوغادين  من  الصومال هو نصيب  الحبشة لتقوى ، ولتحكم قبضتها على المنطقة ، ولتتمكن من السيطرة على المسلمين . ومن ناحية ثانية أعادت بريطانيا احتلال السودان من جيد ، وأحست مملكة  الحبشة النصرانية بالسعادة حيث قوي النفوذا لصليبي تماما في المنطقة ، فالسودان من الغرب تسيطر عليه إنكلترا ،  والصومال من الشرق قسم بين الدول الأوروبية  النصرانية ، وحصر المسلون بين الأحباش النصارى في الغرب ، والمستعمرين الصليبيين في الشرق  والجنوب.

ولم يقترب  المستعمرون ا لصليبيون من أرض الحبشة بصفتهادولة  نصرانية غيرأن ايطاليا قد دخلت الساحة عام1303 هجري (1885م)  ، واحتلت أريتريا، وبقيت  فيها  حتى عا 1360 هجري عندما هزمت في الحرب العالمية الثانية مع ألمانيا ،  ودخل  الحلفاء أريتيريا.

دخلت إيطاليا الساحة متأخرة بعد أن وحدت  بلادها ، وكانت الدول  الأوروبية في هذه الأثناء تتقاسم أرض إفريقية ، فرغبت أن تحصل على نصيبها. فاشترت شركة إيطالية ميناء عصب من أحد الأمراء المحليين عام 1286 هجري (1868م) احتلته إحتلالا عسكريا بعد ثلاث سنوات بتشجيع من إنكلترا التي ترغب  في منافسة فرنسا التي إستقرت في تاجورة ،  ثم توسعت إيطاليا في أريتريا، وبقيت حتى الحرب العالمية الثانية.  ولم ترغب إنكلترا نفسها إحتلال إريتريا كي لا تثير فرنسا عليها  الكنيسة لذا شجعت إيطاليا التي أعلنت أنها ما قامت بإحتلال إلا  مناطق  للمسلمين ، وأملا  من حصر المسلمين في شرقي الحبشة ، بينها وبين مملكة الحبشة حتى يهجروا أرضهم أو يقبلوا الديانة النصرانية عقيدة  لهم.

أخذت إيطاليا تشجع المتنافسين على الحكم ، وتثير النزاع بينهم ، وتمكن  منليك الثاني من الوصول إلي حكم الحبشة ، وأعلن نفسه إمبراطورا عام 1306 هجري (1888م)،  فعقدت إيطاليا معه معاهدة ، ثم إختلفت معه ، وشجعت  المنافسين له في إقليم تجرة ، وفكرت باحتلال الحبشة دون النظرإلى  الكنيسة ورأيها ،  غير أنها هزمت هزيمة منكرة في معركة عدوه عام 1314 هجري (1896م) ولكنها بقيت في إقليم أريتريا

أخضعت إيطاليا منطقة الأوغادين من الصومال عام 1316 هجري (1898م) ، وثارت ثائرة الكنيسة ضد دول أوروبا الأستعمارية  لتعدياتها على أرض نصرانية !!  وطلبت منهاالكف عن هذه التعديات ، والتفاهم فيما بينها ، ومع الحبشة للعمل معا على محاربة المسلمين.

 

إتفقت  الدول الأستعمارية الثلاث الكبرى ، وهي: بريطانيا وفرنسا وإيطاليا على إستقلال الحبشة، وإقامة إمبراطورية فيها تحت تاج منليك الثاني تضم مملكة  الحبشة والأمارات الأسلامية كافة ، وذلك خوفا من إنتشار الأسلام ، وطلب من الأمبراطور شن حرب ضد المسلمين ، ووعد  بتقديم  الدعم اللازم له ، والعمل على حمايته.

قام منليك الثاني باحتلال هرر ،  ثم جرد  حملة على باقي  الإمارات الأسلامية فأخضعها بمساعدة الدول الأوروبية ، وفكر بصهر المسلمين في إمباطوريته داخل المجتمع النصراني فزوج إبنته أرجاس من أمير منطقة ويلو محمد علي ، فأنجبا ليج أياسو.

إتفقت الدول الأستعمارية الصليبية الكبرى فيما ينها بمعاهدة عقدتها عام 1324 هجري (1930م) لتقسيم مناطق النفوذ فيما بينها ، وفيما إذا إنهارت الحبشة.

هلك منليك الثاني عام 1331 هجري (1913م)  ، وخلفه حفيده ليج أياسو الذي أظهر ميلا للأسلام ، وإعتنقه ، بل هو بالأصل مسلم إذ أن والده  الأمير محمد علي ، وإن تسمى إسما نصرانيا ، ونشأ في رعاية جده منليك الثاني والد أمه أرجاس.

لبس ليج أياسو العمامة ، وأخذ يتردد على  مساجد هرر ، وشيد  المساجد في  مدينة هرر ، وديرداوا ، وجكجكا ، وإتخذعلما جديدا  لدولته ، وجعل الهلال في وسطه بعد أن كان  الصليب ، وأرسل هذا العلم إلى قنصل الدولة العثمانية في أديس أبابا ، واتصل مع محمد عبد لله حسن الزعيم المسلم  الذي ثار  في  الصومال ضدالمستعمرين الصليبيين.  وحاول ليج أياسو توحيد  المسلمين ، وأراد إقامة  حلف إسلامي ضد الحلفاء ، وادعى الأنتساب الى آل البيت

إتخذتت الكنيسة قرارا بحرمان ليج إياسو من  التاج  الحبشي  ، وحرضت النصارى ضده ، ففر إلى  بلاد  الدناقل، وبقي هناك حتى قبض عليه عام 1339 هجري  (1934م) ، فلما إنتصر رأس تفاري ، وهو هيلاسلاسي ذبحه عام 1353هجري (1934م). وأعطت الكنيسة  الملك إلى أخته زاويتو إبنة  منليك الثاني ،  وعينت رأس تفاري وصيا ، ووريثا

 

محمود شاكر

Leave a Reply