شرقي إفريقيا من صفحات التاريخ

شرقي إفرقيا من صفحات  التاريخ

 

نرى  اليوم عدة تيارات في قراءة التاريخ  في العالم منهاالتيارات الدينية  والتيارات القومية التقليدية والتيارات العلمية الحديثة .لكل هذه التيارات الحق في التعبير عن نفسها، ويوجد في المكتبات التاريخية الهامة مايكفي من المراجع التاريخية لمن يريد التعمق فيها. والتيارات الدينية لها منابعها الخاصة الدينية والغير ديبنية وثقتها بأن ماسواها غالبا باطل، مع أن النظرة الدينية في جوهرها لا يجب في نظري أن تتناقض بالضرورة مع كثير من المصادر التاريخية  الحديثة والأساليب العلمية في استنتاج الحقائق والبحث عنها على الأقل في حدود معينة. ومن هنا نرى بالفعل نقاط الألتقاء بين القراءات والتيارات المختلفة للتاريخ بجانب نقاط الأختلاف. وما يهمني هنا هو أن القراءة التاريخية للكنيسة ألأرتوذوكسية الأثيوبية والأساطير التاريخية التي هي تشجعها تحتوي على خرافات وأكاذيب عديدة ليس لها صلة بالدين المسيحي العظيم نفسه وإنما تمثل محاولات حكام الحبشة بالأمس واليوم والباحثين الأحباش في التاريخ حتى في هذه اللحظة لأخضاع التاريخ لطموحاتهم التوسعية العدوانية على الرغم من درجة الوعي السياسي العالية للشعوب التي تجدنفسها داخل سجن الأمبراطوية الأثيوبية. ومصادر القراءة الحبشية للتاريخ معروفة بما يكفي بينما  لانرى ا لاالقليل بالمقابل من القراءة الأسلامية لتاريخ منطقة القرن الأفريقي.  لتضييق هذه الفجوةيسعدني أن أقدم هنا صفحات  من القراءة الأسلامية للموضوع من كتاب ” التاريخ الأسلامي ” لمحمود شاكر ، وهي دراسة أقرب إلى الحقيقة  والواقع إلى أبعد حد بالمقارنة  إلى الدراسات التارخية الحبشية حتى الحديثة بأساتذتها المعروفين ومن يطبل لهم من الجهلة الشوفنيين

 

وأود أن أضيف في نفس الوقت بأن هذه الدراسة الأسلامية للشيخ محمود شاكر لا يمكن أن تكون بديلا لدراسات التيار العلمي للتاريخ دون أفكار مسبقة أو فلسفات ومعتقدات غيبية. التيارات العلمية الحديثة للتاريخ مفتوحةللنقاش والتدقيق  والنقد العلمي الهادف إلى معرفة الحقائق وتحقيق نظرة  عادلة للجميع دون إستثناء . وعلى الرغم من أن الشيخ محمود شاكر يسلط الأضواء على كثير من الحقائق التاريخيةفي غاية الأهمية بدقة ودرجة كبيرة من الجدية والنزاهة الأسلامية  الأمر الذي يستحق التقدير والشكر والتكريم حقا إلا أنه يتجاهل عن قصد أو دون قصد أمورا مهمة مهمة مثل ظاهرة الرأسمالية العالمية التي تختلف تماما من  الأستعمار القديم والتحارة البدائية المذكورة في كتابه،  هذه الرأسمالية التي إستهدفت  ولاتزال تستهدف  جميع الشعوب الضعيفة دون إستثناء. وهي تركز  همجيتها  على وضد المسلمين لأسباب إيديولوجية وعقائدية وتاريخية معروفة دون شك ، ولكونهم ضعفاء ، وخاصة منذإنتهاء العهد السوفيتي  فقد جعلت  الأمبريالية من الأسلام عدوا إيديولوجيا رئيسيا  بديلا يخدمها من بين ا لأمور الأخرى لبيع وتجربة أسلحتها الحديثة  ضد البسطاء  العزل  بحجة محاربة االأرهاب ا لذي هوفي الأساس بالدرجة االأولى من صنعهاخدمة لذلك القطاع الرأسمالي الصناعي ا لهمجي الناجح بكل وقاحة ولذي ينتج اسلحة الدمار الحديثة ، بعد أن استغلت المجاهدين  المسلمين  في أفغانستان ضد  الروس مما يظهر جليا بأنها ليست ضد الأسلام  الذي يخدم مصالها العليا . ويجب على المسلمين  على ضوء هذه الحقيقة أ ن يفهموا  النصوص الدينية فهما أعمق ويجابهواهذه المعضلة ليس وحدهم  فقط بل أيضا مع شعوب العالم  المحبة للسلام قاطبة. وهذا يتطلب نظرة جديدة ومتجددة على الدوام وأكبر قدر من الشجاعة والأخلاص خارج الأطر التقليدية الجامدة  . لماذا نثور ضد تماثيل ورموز ميتة في المقابر والضرائح  ونحن نعبد أصناما بشرية محلية وعالمية حية؟ ولماذا نلغي دور المرءة المسلمةا لثوري  وقدراتها البناءة وراء حجج دينية باطلة تختبئ وراءها شوفنية الرجل وأنانيته العقيمة،  والسقيمة علما بأن المرءة الضعيفة  تربي الرجل الضعيف المريض نفسيا غالبا ؟ وكذلك يجب أن لا ننسى نحن المسلمون  أن الفساد الذاتي  الداخلي  حتى في كثير من عهود الخلافات الأسلامية بأمرائها  وسلاطينها المنغمسين في  الأنانية وفي عبادة المادة وبكثرة شعوبهم التي تعودت على احترام الطواغيت المحليين حتى يومنا هذا، هذه كلها عوامل مهمة تركت الأبواب مفتوحة ولاتزال  لطموحات الأمبريالية  العالمية، وأدت ولاتزال إلى هزائم  متتالية للشعوب الأسلامية. ويجب أن لا ننسى أيضابأن عدد من الطغاة في البلاد الأسلامية يستخدمون مشايخ الدين الأسلامي ذوي الشهادات الجامعية والحماعات الأسلامية  الأنتهازية المختلفة لأمتصاص النقمة الشعبية من بعد أو قرب  حيث تحولت عبادة الله والتعليم الديني إلى طقوسات  أوتوماتكية يومية أو أسبوعية أوسنوية مملة ومفروغة من  محتواها الحقيقي في سياق الجهاد بمعانيه الواسعة،  نطلق عليهاإسم العبادة ، يمولونها بأموال الشعب ، وحيث تسيل دموع التماسيح على الأسلام يوميا، يا للهول! ولتضليل أوسع الجاهير الغافلة. ويتجاهل الشيخ محمود  مع ا لأسف ايضا مسألة حقوق الأثنيات والقوميات  المضطهدة المختلفة  داخل الأمبراطورية الأثيوبية ، و التي تناضل لحق تقرير المصير، ويحتدم اليوم بينها وبين الطبقات الحبشية الحاكمة الظالمة صراع حاد على عديد من المستويات ,. يجب على المسلمين تبني قضايا الشعوب المظلومة بغض النظر عن دياناتها  وتاريخيها . ولاشك بأن أيام الأمبراطورية الأثيوبية معدودة . ويشير الشيخ محمود غالبا إلى هذه القوميات كقبائل. لماذ؟ هل هذا في خدمة الأسلام؟ كما أنه يقبل ضمنيا النظرة والمزاعم ا لحبشية فيما يخص ما يسمى بهجرة  الجالا، ولا يذكر نظام جدا  المعروف، ويصف  الأرومو قائلا بأنهم  كانوا  بدائيين بالمقارنة مع الآخرين. مع ذلك يسرني أن أنصح  المهتمين بالحقائق التاريخية على قراءة كتابه هذا لما يتضمنه من تحليلات صائبة ووقائع هامة. علامة التعجب هي مني.

.

……………سم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولله، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن صار على دربه إلى يوم الدين. أمابعد: فإن الصلات بين جزيرة العرب وشرقي إفريقية كانت قوية قبل الأسلام غير أنها لم تكن راسخة الجزور حيث كانت تقوم على المادة إذ التجارة هي وصيلة الصلة، ومايقوم على المادة تنفصم عراه  منذ أول خلاف يقع أو أي تعارض بالمصالح يحدث. وقد كان سكان شرقي إفريقية ينظرون إلى العرب نظرتهم إلى التجار لا يقدمون إلى بلادهم إلا لمصلحتهم ، وأنهم ينتزعون منهم ما هو لهم، ويثرون على حسابهم، فكانت نظرتهم إليهم نظرة الشك والريب، وهذه النظرة لايمكن أن تبقى طويلا، فأقل حادث يمكن أن يمحو كل أثر. وإذا إحتفظت اللغات الأفريقية بعدد غير قليل من الكلمات العربية فمرد ذلك إلى أن لغة الأقوى تسيطر، ولهجة التاجر تعم.  وإذا كان هذا الإحتفاظ  قد إستمر بل زاد كثيرا فيما بعد فذاك يعود إلى إنتشار الأسلام في شرقي إفريقية.

لم يمض وقت طويل حتى داهم الأحباش جنوبي الجزيرة العربية واحتلوه رغم العلاقات القوية بين المنطقتين، ورغم الصلات المادية المتينة بين الطرفين. ولقد كان هذا الهجوم والأحتلال بدافع وتحريض من الروم الذين يرتبطون مع الأحباش برابطة الدين، وهكذا فقد زال كل أثر للمادة عندما وجدت رابطة العقيدة،  قد فكر قائد الأحباش إبرهة في غزو مكة وأعد العدة اللازمة وسار إلى وجهته التي قرر أن يوليها لكن الله تعالى  رده خائبا. وأهلكه وجنده. ولو كان عدد سكان شرقي إفريقية كبيرا يسمح لهم بالحروب والأنسياح لاا نطلقوا نحو الجزيرة العربية يحاولون إقتحامها كما إقتحمها الأحباش.  وعلى هذا  فقد تغيرت هذه ا لنظرة بعد الأسلام إذ تغيرت نفسية التجار العرب بعد أن دانوا بالأسلام، كما تبدلت نفسية سكان شرقي إفريقية بعد أن رأوا سلوك التجار المسلمين واختلافهم عما كانوا عليه سابقا، وكما تبدلت الطبيعة العربية بعد إسلامها تبدلوا هم كذلك بعد إسلامهم إذ صقل هذا الدين الجديد نفسية أبنائه من أي جنس كانوا، ومن أي لون، ومهما كانت الصفات التي يحملونها حيث غدت كلها إنسانية.

كان إنتشار الأسلام مرافقا للفتح الذي إتجه نحو الشمال حيث وجدت التحديات، وحيث وقفت في وجهه أقوى دول تلك الأيام وهما: دولة الروم ودولة الفرس، ولذلك كان المد الإسلامي الأول في الأقاليم التي تتبع تلك الدولتين فعم الأسلام الشام، والعراق، وإيران ومصر، وإمتد  في الشمال الأفريقي، وأجزاء من تركيا، وأواسط آسيا في بلاد ما وراء النهر، وفي السند.

وشاء الله أن تتوقف الفتوحات لأسباب داخلية أهمها: إنصراف الناس إلى الدنيا، وتنافسهم عليها، وترك الجهاد بعد أن سكن من كان أماهم، وزالت التحديات التي كانت سابقا في وجههم، فأخلدوا إلى الأرض، وانطلق كل في مسعاه منهم من يريد الدنيا، ومنهم من يريد الآخرة.

تابع الذين يريدون الآخرة جهدهم في نشر الأسلام، وكانت التجارة  وسيلة لهم، فانطلقوا مع القوافل دعاة، أو امتهنوا التجارة وعدوها طريقة للاتصال بالآخرين، وكانت معاملتهم، وكانت أمانتهم، وكان سلوكهم وسيلة محببة لسكان المناطق التي تصل إليها القوافل للتوجه نحو الأسلام. وكان أسلوبهم في الدعوة، كانت  طبيعة الأسلام التي تنسجم مع الفطرة البشرية، كان كل هذا سببا لاعتناق الناس الأسلام.

إتجهت قوافل التجار، وسار معها الدعاة نحو جنوب شرقي آسيا، إذ كانت هذه المنطقة المفتوحة أمامهم إذ أن شمالي آسيا مناطق باردة، مليئة بالغابات وتكاد تكون خالية من السكان فلا فائدة كبيرة من التجارة فيها، وليس هناك من مجال واسع للدعوة والعمل لنشر لأسلام، كما أن المسلمين في بلاد ما وراء النهر قد غطوا تلك الجهة فانطلقوا يتاجرون بالفراء ويقومون بواجب الدعوة، وفي غرب أوروبا، في الشمال حيث تقف النصراية مغلقة أبوابها أمام المسلين، فقد كانت الكنيسة  على يقين من أن الأوروبيين إذا اتصلوا بالمسلمين وهم في تفقوهم القتالي، وسبقهم الحضاري، وتقدمهم العلمي، ونضجهم في المعرفة والوعي لابد من أن يعتنقوا الأسلام لذا فقد سدت في وجههم كل طرق الأتصال، ومنها التجارة والرحلة، وحبست أبنائها عنهم.  وأما في الجنوب فقد وصل المسلمون إلى سواحل المحيط الأطلسي، ولم يعلموا ما وراء المياه، وأما باقي إفريقية فصحارى وغابات لاتحتاج  إلى قوافل تجارية كبيرة ولا إلى قوافل من الدعاة، وقد غطى تجار شمالي إفريقية المسلمون هذه الجهة، وعبروا الصحراء، ووصلوا إلى إفريقية السوداء، وأدوا  دورهم  بالدعوة ونشر الأسلام.

لم يبق أمام الدعاة والتجار المسلمين من بلاد العرب ومناطق فارس المشرفة على الخليج العربي سوى التوجه إلى شواطئ المحيط الهندي  فانطلقت السفن الأسلامية من سواحل بلاد العرب الجنوبية، ومن سواحل الخليج العربي الشرقية والغربية نحو جنوب شرقي آسيا، وتركت وراءها سواحل شرقي إفريقية، ولم يكن ذلك التمييز بين شواطئ المحيط الهندي الشرقية والغربية إلا لغنى المناطق الشرقية، وكثرة سكانها، ولفقر الغربية منها وقلة أهلها، لذا كان التوجه الواسع نحو جنوب شرقي آسيا على حين عاشت مناطق شرقي إفريقية في الظل نسبيا.

انطلق بعض التجار نحو شرقي إفريقية، كما سار بعض الدعاة، واتجه كذلك بعض الفارين من وجه الدولة لأسباب كثيرة، وكان عملهم ناجحا غير أنه كان محدودا بمناطق ضيقة، ومحصورا على السواحل تقريبا، والجزر الصغيرة القريبة من الشواطئ، وذلك لقلة السكان، وصعوبة التوغل إلى الداخل بسبب الغابات في الجنوب أو الجبال في الشمال، أو فقر المناطق في الوسط   ، ومع ذلك فقد عم الأسلام الجهات التي وصل إليها التجار في أي جزء من تلك الأجزاء.

تمتد هذه المناطق التي نتحدث عنها في شرقي إفريقية  من خط العرض18 درجة شمالا عند الحدود السودانية ـ الحبشية على ساحل البحر الأحمر على أساس أن السواحل التي تقع شمال هذا لخط هي سواحل السوادن ومصر، وتقع ضمن الأجزاء التي تحدثنا عنها في الجزء الثالث عشر من هذا لكتاب، وتمتد  على بقية سواحل البحرالأحمر الجنوبية، ثم على شواطئ خليج عدن، فسواحل المحيط الهندي حتى خط العرض 20د رجة جنوبا حيث أقيم ميناء( سفالة ) آخر موقع وصل إليه المسلمون جنوبا على تلك السواحل، ويزيد طول هذه المناطق من الشمال إلى الجنوب على أربعة آلاف وخمسمائة كيلو متر.

ليست هذه المناطق واحدة في إنتشار الأسلام، وإقامة الأمارات، ونسبة المسلمين اليوم، لكنها تختلف من منطقة وأخرى حسب طبيعة أرضها، وظروف مناخها، ونوع نباتاتها، وعقيدة سكانها، إذ تمتد الجبال خلف الساحل في الشمال، وتنتشر الصحارى حتى الشاطئ في الأجزاء الشمالية، ويدين السكان بالنصرانية فيها، على حين تنخفض الأرض بعد السواحل في الجنوب، وتنتشر النباتات والأشجار الاستوائية ولا يعرف السكان  سوى الوثنية، ويقل القاطنون في هذه الجهات كلها تقريبا عدا الجهات الجبلية الشمالية حيث يزيدون قليلا  وترتفع كثافتهم نسبيا. وعندما دخل الأسلام إلى هذه المناطق إنتشر على الجهات الساحلية في الشمال، وتوقف عند أقدا م ا لجبال حيث تحصنت النصرانية، وأمدتها أوروبا بالدعم، وتوغل السلمون إلى الداخل في النواحي الصومالية حتى عمت عقيدتهم الأهالي جميعهم. أما المناطق التي تقع جنوب خط الأستواء فقد ساد الأسلام الجهات الساحلية والجزر القريبة منها،  ولم يتعمق نحو الداخل لكثافة الغابة، وصعوبة المواصلات، وقلة السكان، وبدائيتهم، وتقوقعهم على أنفسهم، وطبيعتهم في إمتلااء نفوسهم بالشك  والريبة من كل غريب،  وهذا ماحال دون الأحتكاك بهم، وصعوبة الأتصال بهم، حيث حصروا أنفسهم بالغابة، وعلى هذا يمكننا ملاحظة ثلاث مناطق متباينة في هذه الأجزاء من شرقي إفريقية

.القسم الشمالي: ويشمل الحبشة، ويمتد من خط عرض13 درجة شمالا تقريبا عند إنتهاء البلاد الصومالية وحتى خط العرض 18 درجة شمالا حيث تبدءالبلاد السودانية.

إنتشر الأسلام في الأجزاء الساحلية من هذا القسم نتيجة الدعوة إذ إنتقل عدد من الدعات في صدر الأسلام إلى هذه المنطقة غير أن كنيسة الحبشة قد أثارت أتباعها ، وحرضتهم على الوقوف في وجه المسلمين ، فاجتمع قطاع الطرق وللصوص، وانقضوا على العلماء المسلمين فقتلوهم ، ومثلوا بهم ، وبقي الصراع في مدينة مصوع ، ولما رءت الكنيسة تغلب أتباعها ، وانصراف المسلمين  إلى الجهاد في الجهات الشمالية ، وانشغالهم ببعض مشكلاتهم الداخلية قررت الهجوم ، وفتح حبهة جديدة على المسلمين لضربهم في القلب نتيجة قربها من مكة والمدينة قواعد الأسلام الأولى ، ومركز إنطلاقه ، ومهوى أفئدة أهله ، فشجعت بعض القراصنة فسطوا على مدينة جدة ، ودمروا السفن الراسية هناك ، ونهبوا أموالا كثيرة ، وكان الهدف  من ذلك أن يدب الزعر في صفوف المسلمين ، ويبعثوا بجزء من جيوش الجهاد إلى ناحية جدة فيخف الضغط عن الجبهة الرومية ، إلا أن رد الفعل كان قويا إذ استولى ا لمسلمون على جزر دهلك ، فكانت قاعدة لهم للانطلاق إلى السواحل الأفريقية فانتشر الأسلام ، وعم ، وبنى التجار العرب مدينة هرر، ولم تستطع الكنيسة ورجالها من القيام بأي رد  فعل بسبب الهلع الذي وقع في قلوب أتباعها من المسلمين، ثم انتقلت أعداد  من المسلمين من أرض العرب إلى العدوة الأفريقية ، وكان لهم دورهم في الدعوة، وعم الأسلام المنطقة الساحلية المعروفة باسم أريتريا ، وانفصل هذا الجزء  عن الحبشة عقيديا واجتماعيا، كما إمتد الأسلام جنوبا، وتأسست إمارات إسلامية، وكان الصراع عنيفا بين الأسلام والنصرانية، وخضعت المنطقة الأسلامية في الحبشة إلى الخلافة العباسية، وإلى المماليك، ثم إلى الخلافة العثمانية ، وإن أصبح هذا الخضوع فيما بعد شعوريا.

وضعف أمر المسلمين عامة ، ومنه أمر السلطنات الأسلامية في شرقي الحبشة وجنوبها ، وتمكنت المملكة النصرانية الحبشية في الجبال من السيطرة على بعض هذه السلطنات فلفتهم تحت جناحها ، وفرضت عليهم أحكامها ، رغم كثرة المسلمين ، ولما أصبح الأحتكاك بين المسلمين والنصارى بصفتهم أتباع مملكة واحدة أخذ بعض الأحباش يعتنقون الأسلام على أنه دين الفطرة ، وخشي ملوك الحبشة من هذه الظاهرة إذ كثر عدد الذين أسلموا من الأحباش حديثا فاتخذوا وسيلة الضغط على المسلمين كي يخنعوا، والعقوبات الصارمة على الذين يعتنقون الأسلام ، فأخلد الناس إلى الأرض وخاصة أنهم الفقراء إذ أن إريتريا وإن كانت في شرقي القارة إلا أن البحرالأحمر لاأثرله حتى لتعد  القارة كأنها متصلة بآسيا وهذا ما يجعل أيتريا أقرب إلى الصحراء.

وزاد أمر المسلمين ضعفا وتوالت عليهم المصائب في المشرق ، وفي المغرب ، وفي الأندلس ، وقوي أمر الصليبية الأوروبية ، وفكرت الملكة النصرانية الحبشية بغزو المماليك في مصر من جهتها لتؤدي دورها الصليبي ، غير أن مشروعها قد فشل.  وطرد النصارى الأسبان والبرتغاليون المسلمين من الأندلس ، وانطلقوا يلاحقونهم ، ووصل البرتغاليون إلي أقصى الجنوب الأفريقي ، والتفوا حول القارة ، واتجهوا نحو الشمال مع السواحل الأفريقية الشرقية ، وكانت صيحات المنادات للصليبيين ، والترحيب بالبرتغاليين ، وطلب الدعم  من القادمين ، وكانت المساعدات بين الأحباش النصارى وبين البترتغاليين الصلييين.

وقوي نفوذ الأستعمار الصليبي في الشرق، وإحتضن دولة الحبشة النصرانية، ولم يدخل أراضيها، وإنما ساعدها على إذلال المسلمين الخاضعين لها ، ورسم لها المخططات ، وكان التعاون بين مختلف الدول الأستعمارية وبين مملكة الحبشة حتى أعطوها  نصيبها  من الصومال عند ما اقتسموها فيمابينهم ، ونتيجة ضغط النصارىالأحباش على رعياهم المسلين ، والحديث عنهم أنهم أقلية دار في خلد الكثير من الناس وأن أكثرية سكان  الحبشة من النصارى ، بل كانوا على يقين من ذلك بناءا على إحصاءات الأمم المتحدة التي تقدمها لها الدولة صاحبة العلاقة ، أي إحصاءات الحبشة أو ما تزعمه  هي وغيرها من الدول التي تحكمها أقلية نصرانية وتتبناها  الأمم المتحدة التي تصير حسب مخطط الدول النصراية الكبرى ، أي تؤيد هذا ، وتعده صحيحا ، ويأخذ العالم عنها  ويعتبره ثقة. وتعد دولة الحبشة الوحيدة ذات الأكثرية المسلمة في هذا  القسم…

ـ القسم الأوسط: ويشمل الصومال ، ويمتد من جنوب خط الأستواء بقليل من خط عرض 1 درجة جنوبا إلى خط عرض 13 درجة شمالا ، حيث تبدء المناطق الأريترية.  ويعد هذا القسم فقيرا إذ هو أقرب إلى الصحراء لأن الرياح الموسمية الصيفية تغير إتجاهها عندما تجتاز خط لأستواء فيصبح إتجاهها من الجنوب الغربي نحو الشمال الشرقي أي مسايرا لخط الساحل ا لصومالي بعد أن كان إتجاهها من الجنوب الشرقي  نحو الشمال الغربي قبل أن تجتاز حط الأستواء. وإن مسايرة هذه الرياح لاتجاه الساحل تجعله لا يستفيد منها أي شيئ إذ لا يتلقى غيثا ولا يصيبه شيئ من حمولتها ببخار الماء فتنتشر لذلك الصحراء حتى خط الساحل، وهذا ما يحعل المنطقة فقيرة على حين أن المناطق الواقعة في مثل هذه العروض في شرقي القارات تكون ذات أمطار صيفية موسمية غريزة، وإن كانت تزداد غنى نسبيا في الجهات الداخلية إذ تتلقي شيئا من الأمطار نتيجة الأرتفاع. وهذا الفقر جعلها مفتوحة فأمكن للدعاة المسلمين الولوج إلى الداخل والأحتكاك بالسكان والتأثير  عليهم ، ونقلهم من الوثنية إلى الأسلام.  وقامت بعض الأمارات الأسلامية على الساحل ايضا ، كما أن أعدادا من أبناء الصومال قد انتقلوا إلى ديار الأسلام للعمل هناك ، وخاصة في جنوب بلاد العراق ، وتيجة هذا كله عم الأسلام جهات الصومال كلها ، بل تكاد تخلو من أي عقيدة سوي الأسلام.

ولما جاء المستعمرون الصليبيون كان حقدهم على أهل الصومال كثيرا لأنهم جميعا من المسلمين ،  فقسموه فيما   بينهم ، فكان لاإنكلترا جزء، ولفرنسا جزء ، ولاإيطاليا جزء ، وأعطوا قسما للحبشة بصفتها دولة نصرانية ، وآخر لكينيا حيث يقل المسلمون فيها نسبيا ،  وهذه الأقسام التي أعطيت للحبشة ولكينيا ستبقى تحت سيطرتهما فيما لو خرج المستعمرون من أرض الصومال، وبذلك يبقى مقسما ، وفي ا لوقت نفسه  تبقى دولة الصومال ضعيفة ، ومن ناحية أخرى تظل مناطق نزاع بين دول المنطقة يستغل المستعمرون الصلييون في الوقت الذي يشاءون ، ويثيرونه في الزمن المناسب  لهم حينما  يريدون.

وفي منطقة الصومال اليوم دولتان إسلاميتان هما: الصومال وجيبوتـي

القسم الجنوبي: ويشمل سواحل طويلة تمتد من جنوب خط الأستواء من خط غرض 1درجة جنوبا تقريبا حتى خط العرض 20 درجة جنوبا حيث  توقف إرتياذ المسلمين إلى جنوب ذلك الخط لعدم وجود السكان هناك في تلك الأيام، واقتصر نزول  المسلمين  على مساحات ضيقة من السهل الساحلي ، وعلى الجزر القريبة من  الشاطئ حيث لم يلج المسلون إلى الداخل  حيث تتوقف مهمتهم إذ لا تجارة ، ولادعوة فليس هناك من مواصلات ، وليس هناك من سكان يتبادلون معهم ، فالمواصلات معدومة ولا يمكن شقها لأنتشار الغابة، والسكان يخافون  من الغريب ،  فيختفون داخل غاباتهم لايريدون صلة ،  ولا يحتاجون  إلى شيء لتكون تجارة أو مقايضة.

وان تركز المسلمين في مناطق ضيقة من السهل الساحلي والجزر  القريبة منه جعل أعدادهم   قليلة رغم أن الأسلام  قدعم ، وغالبا  مايكون السكان جميعهم من المسلمين .  ولكن هذا من ناحية  ثانية  قد جعل إماراتهم ضعيفة لقلة عدد سكانها ،  وبالتالي فإن قواتها ضعيفة لا تستطيع رد الأقوياء عنها. فلما طلع عليهم المستعمرون الصليبيون البرتغاليون لم يستطيعوا الثبات أمامهم ، فاحتلوا شرق إفريقية، ودمروا ماشيد منها ، وخربوا ما عمر، وأفسدوا ، وجاروا، غير أنهم لم يتعمقوا إلى الداخل أيضا فبقيت جذورهم ظاهرة  على السطح مما سهل إقتلاعهم وإلقاءهم  بعيدا عندما تعاون العثمانيون والعمانيون ضدهم ودعمتهم إنكلترا لتحل محل البرتغاليين.

وجاء العمانيون إلى شرقي إفريقية ، ولاحظوا الخطاء السابق الذي وقع فيه  المسلمون السابقون لهم فعملوا  إلى الولوح  إلى داخل إفريقية فانتشر الأسلام على طول  الطرق التي سلكوها إلى الداخل  ،  وفي الجهات التي حط التجار رحالهم  فيها ،وهذا ماجعل الأسلام محدودا في المناطق الساحلية والجزر القريبة منها ، وبعض جهات الداخل.

وتوجد في هذا القسم دولتان إسلامياتان هما: تنزانيا وجزر القمر، وما بقي فأقلياتـ

4ـ ويمكن إضافة دول أخرى إلى شرقي إفريقية ومنها: تشاد ، وجمهورية إفريقية الوسطى رغم أنهما من دول وسط إفريقية ، وهما إلى غربي إفريقية  أقرب منهما إلى شرقيها ، وخاصة أنهما كانتا تتبعان الأستعمار الفرنسي  الذي له النفوذ الكبير في غربي القارة ، ويحاول جر هاتين  المنطقتين إلى جهات غربي القارة وربطهما هناك ، هذا من وحهة النظر السياسية وبالمقابل فإن هناك صلات مع شرقي القارة لا يمكن إغفالها ، وفي محاولة  لتوازن الأجزاء وجدنا وضعهما فى شرقي القارة ، وكذلك فأن العنوان كان يحمل إسم شرقي إفريقية ووسطها.

ونرجو من الله التوفيق ، والهداية ، وسداد الخطا، وإعطائنا الرشاد لإمكانية تقديم  صورة صحيحة تفيد المسلمين وتخدمهم في معرفة  مواطنهم ، وتاريخهم ، وتعينهم على رسم المخططات الللازمة للنهوض ، والصحوة، والوقوف في وجه الأعداء ، ثم الأنطلاق  نحو تحقيق أهدافهم ، وتنفيذ مهماتهم في قيادة العالم، وإخراج الناس من  الظلمات التي وقعوا فيها إلى النور، والله نعم المولى ، ونعم لنصير، ولاحول ولاقوة إلا باللله العلي العظيم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

غرة ربيع الأل 1413هجرى

الموافق 29 آب1992م

.

Leave a Reply