الهوة بين البلاغة والممارسة تتسع يوما بعد يوم لدى النخبة السياسية الحبشية

متى تنتهي المسرحية  الهزلية الساخرة  للدوائر السياسية  الحبشية؟ 

يبدو للمتبصر وكأن أزمة إثيوبيا السياسية والأقتصادية أصبحت من القضاء والقدر، فيما تواصل النخبة الحبشية التجراوية والأمهرية في الحكم والمعارضة لعبتها المعتادة المملة معلنة بأستمرار شعارات وبرامج لا تؤمن بها هي نفسها في محاولة مبرمجة لعزل القوى الثورية للشعوب المقهورة. وهكذا تتغير الأنظمة وتزول بهذه الطريقة أو تلك وتبقى قضايا الشعوب السياسية والأجتماعية بدون حل بل تصبح أسوأ فأسوأ رغم التحولات الحقيقية التي نشهدها حولنا وفي لعالم بما في ذلك الثورات  الشعبية  التي تجتاح المنطقة والبلاد المجاورة في الوقت الحاضر

والغريب في الأمر تتحدث هذه النخبة لعقود عديدة  مرت عن السلام العادل والعدالة الأجتماعية والديمقراطية ، وهي بالفعل  كلها أمور لابد أن يرتكز عليها أى مشروع  للأستقرار سياسيا  وإقتصاديا،  فيما تواصل في الحقيقة مصادرة الحقوق القومية والثقافية والعرقية  والدينية للشعوب المنكوبة داخل الأمبراطورية وسلب مواردها الطبيعية والبشرية.  وقد وصلت هذه الممارسة زروتها في الوقت الحاضر في ظل الهيمنة التجراوية.  فقد فقدت هذه الشعوب وخاصة شعب أرومو ملايين الهكتارات للشركات  الأجنبية والمحلية  التي تستخدم الآلية الحديثة كا الجرارات  وغيرها وأصبح ملايين الأشخاص مشرديين فى بلادهم  يعيشون في فقر مدقع بيما ينزح الآخرون  من مناطقهم بحثا عن حياة أفضل،  كل ذلك  لصالح الصفوة السلطوية التجراوية الحاكمة وشركائها  الأقليميين والعالميين.

وهكذا يتم تعرية التربة بوتيرة خطيرة من جرا ء الزراعة المطرية الآلية النهبية.  فقد دمرت الغابات في مناطق عديدة وتدهور الغطاء النباتي بشكل خطير حقا،  أضف الى ذلك تلوث البيئة بسبب الأستخدام اللاعقلاني للسماد الكيمائي على نطاق واسع مما يوضح إنعدام روح المسؤلية لدى الحكام الجشعين.  ويتبجح النظام الحالي بتحقيق الأنجازات خاصة في مجالات التعليم والبنية التحتية .  وكل ما حققه في هذه المجالات ينكب في خدمة الأستثمارات الأجنبية والجهاز البيرورقراطي التابع له بالدرجة الأولى.

ويبدو لي ان اثيوبيا قد وصلت إلى طريق مسدود منذ أمد طويل ولكن النخبة الحبشية   مازالت تمضي بمزيد من الأصرار الدموي قدما في مشروعاتها للسيطرة والتسلط  على الشعوب المقهورة معمقة بذلك المرارات والكراهية والرغبة في الأنتقام. .

منذ ظهور ألأمبراطورية الأثيوبية تضطرب العقلية السائدة بين فكرتين أو حضارتين وثقافتين متناقضتين لم تتوصلا الى يومنا هذا الى نظرة متطابقة لقيم الحياة الأجتماعة والسياسية.  لدينا من ناحية العقلية السياسية لتجري والأمهرا ( الحبشة التاريخية في الشمال ) ومن ناحية أخرى عقلية الأرومو والصومال والعفر والهرريين والسيداما والجراجي والهدية  وغيرهم من ا الشعوب المضطهدة في الجنوب والشرق التي  تم ضمها الى الأمبراطورية بعد سلسلة  طويلة من  الحروب  المدعمة من أوروبا الأستعمارية .  العقلية الأولى تعالج النزاعات بالعنف حيث سادت عمليات  حروب الأبادة والمذابح الجماعية وتسود الى يومنا هذا. والرؤية الثانية كانت ولازالت تمارس معظم الأوقات أسالب  الحل المتدرج الودي السلمي المعتاد بين الفرقاء المتنافسين أو المتحاربيين حتى مع وجود حركات التحرير المسلحة.

والبعد الأديولوجي أو العقائدي السائد اليوم  يجعل معالجة المسائل الأساسية الأجتماعية والسياسية بطريقة عقلانية وإنسانية أمرا معقدا في غاية الصعوبة ويضفي  على العوامل الذاتية والموضوعية نوعا من الغموض ليس فقط  للمتفرج من بعيد  وإنما ايضا لأصحاب القضية. ولكن طرحي هذا يتيح حتى للمتفرج من بعيد فرصة التعرف على النسق أو النمط المتكرر في كينونة الأمبراطورية المسماة بالجمهورية الفدرالية. ومع انني لا أعتقد بهمجية الأنسان فطريا  لا شك بأن مسلمات العصور الوسطى التي  تطغى حتى هذه  الساعة على أذهان الغالبية  العظمى من الأحباش تجعل التعددية التي هي السمة الغالبة على عالمنا اليوم أمرا مستحيلا في اثيوبيا.

يصعب في هذه الأحوال  الحديث عن الأساليب الوفاقية  بين تنظيمات  المعارضة الساسية  الشمالية الأمهرية والتجراوية التي تتحرك بأسم إثيوبيا وتنظيمات المقاومة في الجنوب للشعوب المضطهدة، على أن مسرحية  التعددية التي  تتغنى بها النخبة السياسية الحبشية في الحكم والمعارضة هي بالنسبة لي  سراب تتبدد حقيقته  كلما حاول الإنسان الإقتراب منها .أ قول هذا ليس في سبيل سرد  الأحداث والتعليق عليها من بعيد وانما ايضا  إنطلاقا من تجربتي الشخصية الطويلة

ومع ذلك يوجد لدينا وخاصة نحن الأورمو جيش كبير من المتحبشين  الذين يلتصقون بالأحباش تحت تأثير الدعاية التي تقول بأن الأسلام يمثل تهيدا للعالم.  ونحن نقف في الألفية الثالثة ما زالت القوى الأستغلالية المختلفة تستخدم الأديان كما في الماضي في سياسة فرق تسد.  وتعتبرمنها الفئات الحبشية  الحاكمة الفئات الأكثر وحشية في نظري حيث تطحن بأسنانها الحادة اليوم كل رطب ويابس دون رحمة.  وكلنا يتمنى أن تحصل ثورة شعبية على غرار ما يحصل في تونس ومصر لولا الفكرة التي تهيمن على أذهان النخبة الحبشية وهي فكرة الحفاظ على  الأمبراطورية  دون تغيير محتواها الساسي والإجتماعي مهما كلف الأمروحتى عبربحر من الدماء ، متمسكة بحقائق وعقائد تعتبرها أزلية متعالية عن ظروف  المكان والزمان مما يجعلنا نفكر في عملية التغيير الحقيقي والجزري عبر عملية ثورية  تقلب موازين القوى و تنهي جميع مسلمات الماضي المتحجرة وتفتح آفاقا جديدة للشعوب.

Leave a Reply